ظلال ظريفة | خمسة نصوص

عدسة دراغان فاغان

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

على فكرةٍ، أنا أمشي

 

أمشي على فكرةٍ؛

أتأمّل الشوارع

الّتي تُركت وحدها في الشوارع،

أؤلّف بين قصصها المغبرّةِ

أشياءً من هنا وهناك؛

هنا تساقط الزيت على يدي

من رغيف خبزٍ أعادت عجنه السماء

فيما كانت تختنق وتضيق بي

هويّتي،

لا الخوف ينقذني

ولا ألْف إيحاء.

وهناك أمشي على فكرةٍ أيضًا

في شارعٍ واحدٍ سمين

يُدْعى العالم.

شيءٌ واحدٌ يفعله الوقت العريض بي؛

أحاول مسح آثار السكاكينِ

عن وجهي المسكين

كأنّني أمسح قطرة ندًى

عن وجهٍ من ضباب

وجهٍ يختبئ داخل بعضه

ويخبّئ الكثير.

 

 

فليأتِ النور

 

فليأتِ النور

فليأتِ بأجوبةٍ تدفعني خارج السرير

أو بأسئلةٍ تودِع الأشرار أماكنَهم.

*

فليكسرْ صندوقَ عتمتي

ويُوزِّعَ كلّ ما جاء فيه على عائلة الأفراد هذه

وكلبهم المكتئب.

*

فليهمسْ في وجه صمتي

ويُسمِعَه قليلًا من موسيقاه الواضحة.

*

فليهبطْ النور من السماء

ويُعرِّفني من جديد على مكوّنات الحياة

ويُعيدَ لي قدرة النظر إلى الطرق.

*

فليمسحْ النور ما مضى

ويخلو بي

بعيدًا عن الجدران

قريبًا من الأمل العنيد.

*

فليأتِ النور...

ويحملَني، على أكتافه،

الندى!

 

 

أشجار الياسمين

 

أكثر مَنْ أكره من عصابة الماضي

ذلك الّذي احتفظ لنفسه بشجرتي الياسمين.

*               

أكره سور بيت الجيران

الّذي كبر فجأةً دون حليب

وصار جدارًا لا يفهم لغة الأشجار

فلم تستطع شجرة الياسمين اللحاق به

وماتت دون أن تعرف وصيّتُها طريقَها إلى أنفي.

*               

أكره الموت الّذي انتزع جدّي من حياتنا

وخطف معه شجرة الياسمين الأخرى

الّتي لم تحتمل القسمة على أحد

لأنّها كانت روح جدي.

*               

أكره أنفي الكبير

الّذي لم يحتفظ بشيءٍ من رائحة الياسمين

كيف اعتقدَ للحظةٍ أنّي شممت

ما يكفي أيّامي دونها؟

*

أكره فمي ومعدتي

اللّذان لم يحتفظا بشيءٍ

حين كنتُ أمتصّ الياسمين كنحلةٍ

لأصير كفراشة...

*

أكره العالم الّذي لم يعد يزرع الياسمين

بقدر ما يزرع سجائره في الأرض.

*

شيءٌ واحدٌ فقط أحبّه

حين يخرج شجر الياسمين ليسبح في ذاكرتي:

تسامحه معي

ومع بنات وأولاد عمّي وخالي...

كنّا كلّما وقفنا حوله لنختار مَنْ نتبنّى من أفراحه

لا يحزن أبدًا أو يذبل

يكبر بحبٍّ لنفسه

ويُكبِّر الحبّ فينا لأيّامٍ كثيرةٍ قادمة.

لم نعتقد لحظةً أنّ الزمن سيطرق بابه في وجهها

ظانًّا أنّه هكذا يجعلنا نكبر بهدوء!

 

 

أسئلة الفتى

 

هل يسمعكِ الصمتُ الآن

ويبصركِ الظلام

مثلي؟

*

مَنْ يرهقكِ أكثر

ذكريات مَنْ مضى أم أفكار مَنْ يأتي؟

*

مَنْ جرَّ عربة انسحابكِ

أصفى الأماكن أم أسرع الأوقات؟

*

لم أعد أعرف،

هل كان حبّكِ حربًا

أم سفر؟

*

وأخيرًا،

إن كنتِ القمر،

هل تذكرين مَنْ كان شمسكِ؟

 

 

بيتي وبيتهم

 

قرب بيتٍ للشعر

يداي تلوّحان للهواء

وقدماي تركلان الرمل.

يا قدري، هل أدخل؟

*

فأنا لم آتِ بغزالةٍ اصطدتُها بقصائدي،

ولم أسمع ناي الرعاة،

أتيت على درّاجةٍ ناريّةٍ

لا في قطار،

ولا يهمّني زهر اللوز

بقدر ما يهمّني اللوز نفسه،

وبابي أنا ابنه

لا يبكي أمّه الغابة.

صديقي ليس صوفيًّا

ولم أقع في حبّ غجريّة،

أتلو مشاعر كثيرةً على الورق

فلم يُخْلَق الشعر ليحبّ فقط،

لا أشرب القهوة

بل أفضّل عصير الفواكه والفرح في صوت الخلّاط،

وبدلًا من إشعال سجائر بلا معنًى بعيد

أرجو إطفاء حرائق الآخرين،

وأنا لست نرجسيًّا

بل قلقٌ، خائفٌ، متردّدٌ في عرض الوقت،

والأصعب من هذا كلّه

أنّني لا أنتظر من أحدٍ أن يصدّق ما أكتب

يكفيني أن أدرك أنّي لا أكذب…

*

قرب بيتهم

وقفت يداي تحاولان تشييد بيتٍ جديد

أعرف أنّني لن أنام فيه كلّ ليلةٍ

لكنّي سأحلم فيه كلّ ليلةٍ أفعل!

 

 

يحيى عاشور

 

شاعر فلسطينيّ من مواليد غزّة عام 1998. يدرس علم الاجتماع وعلم النفس في جامعة الأزهر – غزّة. عضو في عدد من الأطر والمبادرات الأدبيّة والأكاديميّة. حصل من "برنامج اليس" على منحة للتبادل الثقافيّ مدّتها عام في ولاية أوهايو الأمريكيّة. له مجموعة شعريّة بعنوان "أنت نافذة... هم غيوم" (مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ، 2018)، وهو حاصل على جائزة "كتابي الأوّل" من مؤسّسة تامر.